تحقيق: مي محمود- روضة عبد الحميد
ذهبت لزيارة صديقة العمر لأبارك على عقد زواجها، ووجدت هناك جمعًا من الجيران والأقارب والأصدقاء جاءوا لنفس غرضي؛ وجلسنا نتجاذب أطراف الحديث الذي بطبيعة الحال تمحور حول عروستنا وحياتِها المقبلة، فأمطرَها الجميع بوابلٍ من النصائح.
ولكنَّ اللافت للنظر أن النصيحة اختلفت باختلاف الفئة العمرية لمصدرها؛ فالجدة بدأت النصائح عن أهم نقطة وهي الحماة، وقالت لصديقتي بحنية الجدات الغامرة: "ابنتي.. اعلمي أن أمه رقم واحد عنده، فلا تضَعِيْن نفسَك في مقارنةٍ معها أبدًا، وحبك لها من حبك لزوجك، وتذكَّري أنكِ ستكونين حماةً في يوم من الأيام".
وهنا قاطعتها الجارة التي ذكَّرتني لهجةُ كلامها ونبرة صوتها بالأفلام الأبيض وأسود وأشهر حماة في السينيما المصرية، فهي تشبه لحد كبير ماري منيب باختلاف الألوان فقط، ومن الواضح طبعًا أنها حماة، وهذا ما استشعرتُه من كلامها، فقد قاطعت الجدة معترضةً، وقالت لها: "كيف يا حاجة حتى الأمثال تقول: الحمى عمى؛ فإياكِ أن تسمحي لها بالتدخل، وأغلقي عليها الباب من أول يوم"؛ فنظرتُ لتلك الحماة أتخيَّل حياةَ ابنتها التي تبثُّ فيها تلكَ السمومَ وكيف تكون تلك الحياة العدائية، ولكنَّ صوتَ زميلتها بالعمل- التي تبدو لي في الثلاثينيات ومعها طفل أطربَنا كثيرًا طوالَ الجلسةِ ببكائِه، ويبدو أنها لم توفَّق في زيجتها، أو على الأقل اصطدمت بأرض الواقع بعد صورة رومانسية خالية من وجود المسئوليات- فقالت لها بدعابة: "الزواج شرٌّ لا بد منه، وهو مقبرةُ الحب، فهو كالطبيخ المسلوق، صحِّي لكنه غير لذيذ".
فتعالت الضحكات؛ باعتبارها دعابةً، لكن لا أخفي عليكم أن نظرات الأم للبنت كأنها تحذِّرها أن تُنصت ولكن فقط تستمع من باب الأدب، فاطمأن قلبي، وهدأ روعي، وشعرت بأن الأم تودُّ أن تقول شيئًا، لكنها تنتظر أن يُفرغَ الجميعُ ما في جعبتهم؛ لتكون مسكَ الختام، فابتسَمَْتُ.
ولكن قطعت ابتسامتي الجارة "الحيزبون" فقالت لها: عوِّدي زوجك على طبعك طبقًا للمثل "جوزِك على ما تعوديه، واربطيه بالعيال بسرعة؛ حتى لا يستطيع أن يلتفت حولَه، واطلبي خادمةً وطلبات عدة، فأنتِ لست بقليلة" فصُعِقْت مما سمعتُ، ونظرتُ للأم أستغيثُ بها أن تنطق قبل أن تتلوَّث أفكارُ العروس، لكنَّ الجدة تدخَّلت بحِكمتها المعهودة في الوقت المناسب قبل أن تلوِّث الجارة أفكارَ عروستنا البريئة، فقالت: بل اعتادي أنتِ على طباعِ زوجِك؛ لتكوني كما يشاء، واهتمي بالإنجاب لتستقر الحياة، ولتدخل نوعًا جديدًا من البهجة لا لربطه، ونظرتُ للجارة بابتسامة صفراء، فكتمت الكلام في حلقها وسكتت، ولكن بدا أنها لن تستطيع كفَّ لسانها، وأنها تصارع نفسها في إكمال نصائحها المسمومة.
وهنا تدخَّلت ابنه الخالة التي لم يمضِ على زواجها ما يقرب من عام، فقالت لها: "اهتمي بمظهرك وعِطرك وتسريحتك وملبسك، فالتزين يعني أن تكوني كما يُحب، لا أن تكوني كأنك آتيةٌ من عند الكوافيرة دائمًا، فقط كوني كما يحب أن يراك، وإياك أن يعود فلا يجد الطعام مطهوًّا، وتذكَّري أثناءَ قيامك بعمل لزوجك أن تجعلي النيةَ والثوابَ والحبَّ يُحركك، واستقبليه بالابتسامة مهما كان بداخلك من ضيق، واحرصي على أن تكوني له سكنًا، وابتعدي عنه لحظةَ غضبه، وإياكِ أن ينامَ وهو غضبانٌ عليك، وافعلي كما قال الحديث تمامًا "خير النساء الودود الولود التي إذا أغضبها (هو الذي أغضبها وليس أغضبته) زوجها أتت فوضعت يدها في يدة وقالت: والله لا أُغمض عيني حتى ترضى" فالعلم أثبت أن التلامس "يدها في يده" يحل نصف المشكلة.
وهنا لأول مرة تبتسم الأم والجدة، وأنا أيضًا ابتسمت ولكن لسبب آخر، ابتسمت لابنة العشرين، كل نصائحها تتمحور حول العطر والاستقبال والوجه البشوش ورقَّة المعاملة، وقرأَتْ هي في أعيننا وعلى شفاهنا تلك الابتسامة، فتشجَّعت على أن تُعطي المزيد، فأكملت وقالت: "وأنتِ ستكونين وزيرة المالية في بيتك، فدبِّريها ولو بالقليل".
وهنا قالت الجدة راضيةً ومؤيدةً: "حتى لو قرش قليل ستجعلين المركب تسير بعقلك، وإياكِ من المقارنة، فمن تقارن كأنها تنكِش عشَّها بيدِها، ومع الصبر سيُكرمك الله، وارضَي برزقِك الذي كُتب لكِ من قَبل أن تولدي، واتقي الله في ماله ولا تبعثريه أو تصرفي منه بغير إذنه أو رضاه".
وهنا لم تستطع ماري منيب- أقصد الجارة- السكوت، فقالت لها منفعلة "كيف؟! حتى المثل يقول: قصقصي ريش طيرك قبل ما يلوف على غيرك.. لازم تسمسري من مصروف البيت للزمن"؛ فرمَقَتْها الجدَّة بنظرةٍ شديدةٍ حاولت أن تخفيها كثيرًا، إلا أنه فاض الكيل فأكملت متجاهلةً إياها، وقالت- كأنها ترد على ما سبق من كلام للجارة-: حماتك لو أحسنتِ رعايتَها ربنا سيكرمك، والذي ترضينه لأمك ارضيه لها، ورضا الأم من رضا الرب؛ فكُتم صوت الجارة تمامًا وظلت كالمكمَّمة الأفواه لا تنطق.
نصائح غالية
نظرتُ للجدةِ وأنا أرى أمامي خبرةَ سنواتٍ طويلةٍ وكمًّا من الحكمة والعقل؛ فسألتُها: خبريني جدتَنا عن أفضل سياسة لإدارة الأزمات داخل جدران الأسرة، وأنا لا أمزح معها بل فعلاً أمامي سياسيةٌ محنكةٌ في رأيي، وتشوَّقت لأسمع ردَّها فقالت: "كوني عمياء، صماء، بكماء أيضًا عن أي مشاكل، فلا بد أن نتحمَّل ونتمايل لأي عواصف أو حتى رياح خارجية حتى تمر، ولا نقف عند كل مشكلة ونضخِّمها، واحفظي لزوجك كرامتَه أمام الناس حتى لو كان مخطئًا، فكرامتك جزءٌ من كرامته، وأدركي جيدًا أن كل إنسان لا بد أن يكون به عيوبٌ، وكلما زاد قربُك له زادت عيوبُه، فتذكَّري أن بك أيضًا عيوبًا هو يتحمَّلها، وكوني دائمًا صاحبةَ فضل لا حقّ، أي تنازلي عن حقِّك لأجل حبك لزوجك".
فابتسمْتُ للجدة التي يجب أن تُدرِّس فنونَ الحياة في أرقي الجامعات؛ ونظرتُ للأم أتساءل: متى ستتحدث وقد أخرج الجميع ما في جعبته، ولكن لم أنتظر طويلاً حيث قطعت تفكيري قائلةً لابنتها: "انسي الموروثات الاجتماعية التي رسَّخها الإعلام في عقولنا.. بأن الحما تريد أن تخرب!! بل أحبيها كما قالت جدتك، وكلما منحتِ أهلَ زوجك حبًّا علاَ قدرُك عند زوجك، وكلما شجعتيه على ودِّ أهله زادَ حبُّه لكِ، فكوني له سكرتيرته، وذكِّريه بأن يتصل بأمه ويشتري لها الهدايا ويطمئن على أحوال إخوته، فهو ينسى في خضمِّ مشاغله اليومية واجباته الاجتماعية، واحرصي على تناول الطعام معه؛ لأن ذلك يزيد الألفة بينكما؛ وحياتكما مملكتكما وحدكما، لا تُشركي أحدًا في إدارتها، ولا تدْعي أحدًا يتدخَّل بينكمًا، وأظهري له الامتنانَ لأي شيء يفعله لأجلك ولو بسيطًا، فالعبرة بالجهد لا بالقيمة؛ وإياكِ أن تفعلي شيئًا أو تعقدي اتفاقًا قبل أن تعودي لأخذ رأيه، وعِي جيدًا أن الزواج ليس فقط رومانسيةً وليس فقط مسئوليةً يجب أن ننظر إليه نظرةً وسطيةً، فهو ليس مقبرة الحب ولا شرًّا لا بد منه، وإنما هو رزقٌ وعبادةٌ، ولا تنسي الاجتماع على طاعة أي طاعة.. ذكر تسبيح وقرآن وقيام ليل ولو لدقائق معدودة، فهو له مفعول السحر في زيادة الحب.
وكانت تلك آخر كلمات الأم التي هي فعلاً مسك الختام؛ فأخذت أتفحَّص الجالسات بعيني وأقلِّب النصائح بينهن، فكم اختلفت نصيحتهن باختلاف العمر والوضع، ابنة العشرين اختلفت عن ابنة الثلاثين والحكمة تجلَّت من ابنة الستين وابنتها ابنة الأربعين، أما ابنة الـ50 (الحما الحيزبون) فكانت لها حكمة مسمومة، واختلف الأمر بين الأم والجدة والحما وزوجة جديدة وزوجة بمسئوليات جديدة.
نصائح زمان
فاستأذنتُ للرحيل وطول رحلة عودتي للبيت وأنا شاردةٌ أفكِّر في مفهوم الزواج الذي سمعته، وهنا تذكرت كلمات أم أخرى لم تدخل الجامعات ولم تحصل على شهادات، لكنَّ كلامَها كان لا يختلف أبدًا عن كلام أمّ ذلك القرن عصر التكنولوجي والفضائيات والإنترنت، فقد أوصت أمامة بنت الحارث ابنتَها أم إياس بنت عوف حين اقترب موعد زفافها على عمرو بن حجر- ملك كندة- والتي اشتهرت كلماتها بالوصايا العشر؛ حيث أوصتْها بقواعد وأسس الحياة الزوجية السعيدة المستقرة.
بدأت الأم وصيتَها بتمهيد يهيِّئ نفس البنت لقبول النصيحة، فأثنت على أدبها، وامتدحت عقلها فالوصية تنبيه للغافل الناسي، وإرشادٌ يستعين به العاقل، كما أن الزواج فطرةٌ وضرورةٌ حتمية لا يمكن الاستغناء عنها؛ لما فيه من قيام المجتمع وبقائه، وأنها ليست في غنى عن النصيحة والزواج، وقالت "أي بنية.. إن الوصية لو تركت لفضل أدب لتركت ذلك لك، ولكنها تذكرةٌ لغافل ومعونةٌ لعاقل، ولو أن امرأةً استغنَت عن الزوج لغِنَى أبوَيها وشدة حاجتهما إليها لكنت أغنى الناس عنه، ولكن النساء للرجال خلقن ولهن خلق الرجال".
ثم انتقلت لقواعد وأساسيات الحياة الزوجية، وقالت لها: "إنك فارقتِ الجوَّ الذي منه خرجت، وخلفت العشَّ الذي فيه درجت، إلى وكرٍ لم تعرفيه، وقرين لم تألفيه، فأصبح بملكه عليك رقيبًا ومليكًا، فكوني له أَمَةً يكن لك عبدًا وشيكًا، واحملي عني عشر خصال تكن لك ذخرًا وذكرًا:
أما الأولى والثانية: فالخضوع له بالقناعة وحسن السمع والطاعة.
وأما الثالثة والرابعة: فالتفقُّد لمواضع عينيه وأنفه، فلا تقع عينه منك على قبيح ولا يشم منك إلا أطيب ريح والكحل أحسن الحسن الموجود، والماء أطيب الطيب المفقود.
وأما الخامسة والسادسة: فالتفقُّد لوقت منامه وطعامه؛ فإن تواتر الجوع ملهبة وتنغيص النوم مغضبة، والاحتراس بماله، والإرعاء على حشمه وعياله، فإن الاحتفاظ بالمال حسن التقدير، والإرعاء على العيال والحشم حسن التدبير.
أما السابعة والثامنة: فلا تعصين له أمرًا، ولا تفشين له سرًا؛ فإنك إن أفشيت سره لم تأمني غدره، وإن عصيت أمره أوغرت صدره، وإياك والفرح بين يديه إن كان ترحًا، والكآبة بين يديه إن كان فرحًا، فإن الخصلة الأولى من التقصير، والثانية من التكدير.
أما التاسعة والعاشرة: فكوني أشدَّ ما تكونين له إعظامًا يكن أشدَّ ما يكون لكِ إكرامًا، وأشدَّ ما تكونين له موافقةً يكن أطولَ ما تكونين له مرافقةً، واعلمي أنك لا تَصلين إلى ما تُحبين حتى تؤثِري رضاه على رضاك وهواه على هواك، فيما أحببتِ وكرهتِ والله يخير لك".
إنها حقًّا نصائح ذهبية من أمٍّ ذهبية لكل زوجة تريد أن تكون مثاليةً، مع العلم أن أمامة بنت الحارث لم تذهب إلى الجامعة أو تستمع إلى محاضرات عن البيت السعيد!!
التأهيل مطلوب
قطع شرودي وصولي، ونزلت من العربة، وخلال طريق العودة وأنا أفكِّر ماذا يا تُرى رأي المتخصصين؟ وقررت أن ألجأ للمتخصصين لأخذ رأيهم، فبدأت بالباحثة حنان زين- مديرة مركز قسم السعادة- التي أكدت أهمية إعداد وتأهيل الفتاة قبل الزواج على أيدي متخصصين؛ حيث إن الإحصائيات تقول إن الطلاق في السنة الأولى يبلغ 40%؛ وذلك حتى يكون لديها وعيٌ داخليٌّ بالمفهوم الحقيقي للزواج والأسرة، وأن تدرك أنها مُقدِمةٌ على حياةٍ مخالِفَةٍ عن سابقِها، وأنه لا ينبغي أن تضع زوجَها في نفس مرتبة وقالب أبيها؛ لأن الشخصيات تختلف.
وفى رأي الباحثة إن أفضل نصائح للعروس هي الوصايا العشر لأمامة بنت الحارث، التي بها جوانب علمية رائعة لو أدركتها كل بنت وحاولت أن تطبِّقَها على نفسها وبيتها؛ لأن فيها حقوقًا للمرأة والرجل، كما أن فيها إشباعًا معنويًّا شديدًا للرجل وتبادلاً للحب والاحترام، كقولها "كوني له أَمَةً يكن لك عبدًا"، وعلى كل فتاة ملتزمة عاقلة أن تبتعد عن النصائح التي تعرِّض حياتها للخطر والكُره لزوجها، خصوصًا أن الكُره إذا تسرَّب لقلب الزوج يصعُب أن يعود الحب.
وتنصح أيضًا كل فتاة مقبلة على الزواج بضرورة الاطلاع على الكتب العلمية والدينية؛ حتى تكتسب الخبرات والمعرفة المطلوبة، واللجوء للمتخصصين لمزيد من المعرفة والخبرة، وأنصح إذا تعرضت لأي مشكلة داخل رحلة الزواج أن تحفظ أسرارَ بيتها وزوجها؛ حتى لا تتفاقم المشكلة ويمكن لها فقط أن تستشير أهل الخبرة والثقة مع الاستعانة بالله في كل أمورها.
الاختيار هو الأساس
أما الداعية جازية رمضان فتقول: لا بد من الاختيار على أساس التكافؤ الاجتماعي والمادي؛ حتى لا تحدث مشكلاتٌ بعد الزواج، بالإضافة إلى أن بعض الفتيات يتخيَّلن أن الزواج حياةٌ رومانسيةٌ حالمةٌ، وطريقٌ مفروشٌ بالورود وبلا أشواك، وأن الزوج سيفعل ما في وسعه لإسعادها، ويتحدى الدنيا من أجلها، ويعمل على إسعادها وتلبية رغبتها، وهي كذلك، ثم تصطدم بعد الزواج بمسئوليات الزواج وأهل زوج وحما وميزانية..
فلا بد من شرحٍ وافٍ وواضحٍ؛ بحيث تكون الصورة كاملةً عن الزواج ومسئولياته، مع ملاحظة أن حماتها سببُ إيجاد زوجها، وأن رحلةَ الزواج كالمركب التي تسير في عرض البحر بين الأمواج، وعليكِ أن تتمكنِي من قيادتِها جيدًا وتتملَّكي الدفة جيِّدًا؛ بحيث لا تتقاذفها الأمواج والعواصف وربما تميل ميلاً بسيطًا فقط.